الشيخ الروحاني مصطفى الزيات

الشيخ الروحاني مصطفى الزيات
الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ الروحاني مصطفى الزيات

الثلاثاء، 22 يناير 2019

تحذير الأمة من الحسد الشيخ الروحاني مصطفى الزيات 00201124436244

تحذير الأمة من الحسد:إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ 
بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن 
يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحـده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا 
عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا ؛ أما بعد
فإن الإسلام قد اعتنى بالقلوب أيما اعتناء ، فوجه أهله إلى أن يصلحوا قلوبهم قبل 
أن يعملوا بجوارحهم ، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة t قال : قال رسول 
الله e : " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلي قلوبكم 
وأعمالكم " ( [1] ) ؛ ولذلك قال الحسن - - لرجل استنصحه : داو قلبك ؛ 
فإن حاجة الله إلى العباد صلاح قلوبهم ( [2] ) .
.وفي الصحيحين من حديث النعمان t أن النبي e قال : " ألا إن في الجسد 
مضغه ، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي 
القلب " ( [3] ) ؛ ولهذا يقال : القلب ملك الأعضاء ، وبقية الأعضاء جنوده ، 
ينبعثون في طاعته وتنفيذ أوامره ، لا يخالفونه في شيء من ذلك ، فإن كان 
الملك صالحًا كانت الجنود صالحه ، وإن كان فاسدًا كانت الجنود كذلك ؛ ولا 
ينفع عند الله إلا القلب السليم ، قال سبحانه : ) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلَّا 
مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ( ( سورة الشعراء : 88 ، 89 ) ؛ وهو السليم من 
الآفات والمكروهات كلها ؛ وهو القلب الذي ليس فيه سوى محبة الله وخشيته
.وفي مسند أحمد عن أنس t عن النبي e قال: " لا يستقيم إيمان عبد حتى 
يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه " ( [4] ) ، والمراد 
باستقامة إيمانه : استقامة أعمال جوارحه ، فإن أعمال الجوارح لا تستقيم إلا 
باستقامة القلب ، ومعنى استقامة القلب : أن يكون ممتلئًا من محبة الله ، ومحبة 
طاعته ، وكراهة معصيته
فنظرة الإسلام إلى القلب خطيرة ، لأن القلب الأسود يفسد الأعمال الصالحة ، 
ويطمس بهجتها ، ويعكر صفوها ، أما القلب المشرق فإن الله يبارك في قليله ، 
وهو إليه بكل بخير أسرع ؛ فعن عبد الله بن عمرو - : قيل يا رسول الله ! أي 
الناس أفضل ؟ قال : " كل مخموم القلب ، صدوق اللسان " ، قيل : صدوق 
اللسان نعرفه ؛ فما مخموم القلب ؟ قال : " هو التقي النقي ، لا إثم فيه ، ولا غل 
، ولا حسد " رواه ابن ماجة بإسناد حسن ( [5] ) .
ولقد نظرت في أدواء القلوب ، فوجدت أن الحسد من أعظمها ، بل هو سبب في 
كثير من أمراض القلب ، التي تبعد القلب عن الخير ، لأنه يشكل حجابًا كثيفًا 
يحجب صاحبه عن رؤية الحق ، ويصرفه إلى تمني زوال النعمة عن أصحاب النعم 
، وحسبك بذلك شرًا ودناءة ؛ ولذلك يقول النبي e : " لا يزال الناس بخير ما 
لم يتحاسدوا " ([6]).
.إنه داء الأمم ... هكذا سماه النبي e ؛ فالحسد داء قلبي خطير ، ما انتشر 
في مجتمع إلا كان سببًا في هلاك أهله ، بل هو سبب في إهلاك الحاسد إلا أن 
يتوب ، وقد لا يضر المحسود شيئًا
واعلم - رحمني الله وإياك - أن الحسد خلق ذميم ، مع إضراره بالبدن وإفساده 
للدين ، حتى لقد أمر الله بالاستعاذة من شره فقال تعالى : ) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا 
حَسَدَ ( [ سورة الفلق : 5 ] ؛ وناهيك بحال ذلك شرًّا ([7] ) .
:وغالبًا ما يتولد الحسد من الحقد ، والحقد ناتج عن الغضب ، وقد أحس 
الناس منذ القديم - حتى في جاهليتهم - أن الحقد صنعة الطبقات الدنيا من 
البشر ، وأن ذوي المروءات يتنزهون عنه ... قال عنترة
لا يحمل الحقد من تعلوا به الرتب ... ولا ينال العلا من طبعه الغضب
:وقال آخر

كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعًا ... يُرمى بصخرٍ فيلقي خير أثمار

.ثم إن للحسد من الفروع الذميمة ما لا يكاد يحصى ، فهو من وجه غاية البخل 
؛ لأن الحاسد يبخل بمال الله ، والبخيل يبخل بمال نفسه،ولذلكقيل
:الحاسدبخيلبمالايملكه
.ومن وجه هو من أظلم الظلم ؛ لأن الحاسد يظلم غيره في إزالة حاله ، ويسيء 
الأدب مع ربه فيما قدره وذلك ظلم عظيم
.والحسد ضرب من الحماقة ؛ لأن اغتمام الحاسد بما يناله ذووه وأهل بلده 
يقتضي أنه ربما يغتم بما يناله أهل الصين والهند . على أن الخير الذي يناله 
ذووه وأقاربه هو أنفع له مما يناله الأباعد
.ولو لم يكن من ذم الحسد إلا أنه خلق ذميم يتوجه نحو الأكفاء والأقارب 
والأصدقاء ، لكان التنزه عنه محمدةً ، والاتصاف به منقصة ، فكيف وهو بالنفس 
مضر ، وعلى الهم مصر ، حتى لربما أفضى بصاحبه إلى التلف ، من غير نكاية 
في عدو ، ولا إضرار بمحسود. ولذلك قال معاوية t : ليس في خصال الشر 
أعدل من الحسد ، يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود
.واعلم أنه بحسب فضل الإنسان وظهور النعمة عليه يكون حسد الحاسدين له 
، فإن كثر فضله كثر حساده ، وإن قل قلوا ، لأن ظهور الفضل يثير الحسد ؛ 
وقد قال e : " استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة 
محسود " ( [8] ) ، ولذلك قيل: إذا سرَّك أن تسلم من الحاسد فعمِّ عليه 
أمرك
:وقال الشاعر
حسدوا النعمة لما ظهرت ... فرموها بأباطيل الكلم


وإذا ما الله أسدى نعمة ... لم يضرها قول أعداء النعم
:وقال آخر

جامل عـدوك ما استطعت فإنه ? بالرفق يُطمع في صلاح الفاسدِ


واحذر حسودك ما استطعت فإنه ... إن نمت عنه فليس عنك براقدِ


إنَّ الحسـود وإنْ أراك توددا ... منه أضـرُ من العدو الحـاقدِ


ولربما رضـي العـدو إذا رأى ... منك الجميل فصار غير معاندِ


ورضا الحسود زوال نعمتك التي ... أوتيتها من طـارف أو تالـدِ


فاصبر على كيد الحسـود فناره ... ترمي حشاه بالعذاب الخالـدِ


أوَ ما رأيت النار تأكـل نفسها ... حتى تعـود إلى الرماد الهامـدِ

تصفو على المحسـود نعمة ربه ... ويذوب من كمدٍ فؤاد الحاسدِ
.ولو علم العاقل أن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ؛ هذا مع 
هم دائم ، وحرقة مهلكة ، بانشغاله بزوال نعمة المحسود ، لكان أبعد الناس عنه
.ولو علم العاقل أن الحسد كان سببًا في هلاك الأمم والأفراد قبلنا ؛ وأن أول 
معصية في السماء كانت بسبب الحسد ، عندما أبى إبليس - عليه اللعنة - أن 
يسجد لآدم حسدًا واستكبارًا ؛ فكان ذلك سبب هلاكه ، وأن أول معصية في 
الأرض كانت بسبب الحسد ، يوم أن حسد ابن آدم أخاه فقتله فأصبح من 
النادمين ؛ لوقف على خطورة الحسد
.ولما كانت سلامة المجتمع دلالة على سلامة قلوب أهله ، أراد الإسلام لأهله أن 
يعيشوا سليمي القلوب تجاه إخوانهم ، فجاءت النصوص المحذرة من الحسد ، 
والناهية للمسلمين أن يتحاسدوا ؛ بل جعل الإسلام من علامات الإيمان تحاب 
أهله ، ولا يمكن أن يجتمع التحاب والحسد
.من هنا كانت هذه الرسالة ( تبرئة الذمة بتحذير الأمة من الحسد ) ؛ أسأل 
الله الكريم أن ينفع بها
.وبعد أن أوجزنا في بيان المقصود ، نشرع في تفصيله ، والله تعالى المسـتعان ، 
لا رب غيره ، ولا أرجو إلا خيره ، عليه توكلت وإليه أنيب ، ولا حول ولا قوة 
إلا بالله العلي العظيم
.وصلى الله وسلم وبارك علي النبي محمد وآله


[1] - صحيح مسلم ( 2564 ) .

[2]- رواه أبو نعيم في ( حلية الأولياء ) : 2 / 152 .

[3] - البخاري ( 52 ، 2051 ) ، ومسلم ( 1599 ) ، ورواه أحمد : 4 / 
270 ، 274 ، والترمذي (1205) ، وابن ماجة ( 3984 ) ، والدارمي ( 
2527 ) من حديث النعمان بن بشير t .

[4] - المسند : 3 / 198 ، بإسناد جيد ، ورواه الطبراني في الكبير : 10 
/ 227 .

[5] - ابن ماجة (4216) ، وانظر صحيح الجامع : 3 / 124 ، والترغيب 
والترهيب : 3 / 551.

[6] - رواه الطبراني في الكبير: 8 / 369 عن ضمرة بن ثعلبة ، وقال 
المنذري في الترغيب : 3 / 547: رواته ثقات ، وكذا قال الهيثمي في مجمع 
الزوائد : 8 / 78 .

.[7] - انظر ( أدب الدنيا والدين ) للماوردي

[8] - رواه الطبراني وابن عدي واليهقي في الشعب عن معاذ ، وروي عن عمر 
وعلي وابن عباس وأبي هريرة ، وصححه الألباني في صحيح الجامع : 1 / 320 
) 956 (

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق